وبالله التوفيق
يا أحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الفِـــــرْقـَــــة النَّاجِيَة
محاضرة مفرغة
للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي
حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيمإنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه.
﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].
أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة! أسأل الله تعالى أن يكون اجتماعنا هذا لوجهه وللتعاون على البر والتقوى، ولمحبة الحق والوصول إليه، وندعو كما عَلَّمنا رسول الله (( اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَة أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون، اِهْدِنَا فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحِق إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم )) ، ثمَّ أيها الإخوة! أعتذر مما قيل في المقدِّمة؛ فإنَّني لا يَصدُق عَلَيَّ أني بذلت نفسي ومالي في سبيل الله، -ونستغفر الله ونتوب إليه- ،وَأَتذكر مرَّة أنَّ أحد العلماء المصريين أثنى على الشيخ ابن باز ثناءً يستحقه، واعترض على هذا الثناء الشيخ ابنُ حميد -رحمه الله- وقال: أنت أثنيت على الشيخ في وجهه وما كان ينبغي؛ فقد قَصَمْتَ ظهر الشيخ، فقال الشيخ معلقاً وكان مختنقا بالبكاء: "واللهِ إنِّي يعلم الله لا أُحِبُّ المدحَ ظاهرًا ولا باطنًا".
وصدق الشيخ، وهذا من تواضعه، ونسأل الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ أن يجعلنا وإيَّاكم من المتواضعين لله، الصَّادقين المخلصين في تواضعهم، وأن يُجَنِّبَنَا وإيَّاكم الرِّياء وحب السُّمعة، إنَّ ربنا لسميع الدُّعاء.
ثم أيها الإخوة! عنوان الكلمة في هذا اللقاء ما سمعتموه الحديث عن الفرقة الناجية جهودها العامة والخاصة وأصولها وعقائدها، وحينما نذكر الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة أو أهل الحديث أو الغرباء أو أهل السنة والجماعة هذه كلٌّها تُطلَق على جماعة واحدة هي جماعة الحق المُتَّبِعَة لكتاب الله وسنة رسول الله وسيأتي الكلام عليها، وإذا قلنا هذا؛ فإبعادًا لِلَّبس ولما يشيعه بعض النَّاس المتسرعين ويرجمون بالغيب ما يقولونه: أنَّنا نقصد بأهل الحديث أو الطائفة المنصورة جماعة في مكان مُعَيَّن، فنبرأ إلى الله من هذا القول، وأنا قد كتبت قبل سنوات كثيرة (( مكانة أهل الحديث )) وأدخلت فيهم في الدَّرجة الأولى أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ وعلماء هذا البلد وأهل الحديث في الهند وأنصار السُنَّة في السُّودان ومصر وفي شرق آسيا وفي كلِّ مكان، كلُّ من تَنْطَبِقُ عليه هذه الصِّفات يدخل في الفِرقة الناجية أو الطائفة المنصورة أو أهل الحديث الذين صَحَّت عقائدُهم؛ فلا يَعبُدُونُ إلاَّ الله، ولا يَدْعُونَ إلاَّ الله، ولا يَستَغِيثُون إلاَّ بالله، ولا يلجؤون في الشَّدائد والكروب إلاَّ إلى الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - ، ويعرفون الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بأسمائه الحسنى وصفاته العُليَا؛ كما وردت في كتاب الله وفي سنة رسول الله وكما دان بذلك السَّلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ ،ودُوِّنت عقائدهم في الدَّواوين الكثيرة المبثوثة الآن بين أيديكم؛ نقصد هؤلاء جميعًا، كلُّ من يَصدُق عليه الالتزام بكتاب الله وسُنة الرَّسول ومنهج السَّلف الصالح عقيدةً وشريعةً وعبادة؛ فإنَّنا نعني هؤلاء بهذه الكلمة الفِرقة النَّاجية، إذا قلنا فيهم: إنَّهم أهلُ الحديث فهم كذلك؛ لأنَّهم يتعبَّدُون الله بالحديث في عقائدِهم وفي عباداتِهم، في الوقت الذي يرفض فيه أهل البدع اعتقاد ما دَلَّت عليه أحاديثُ رسول الله سواءً تعلَّق بصفات الله أو تعلَّق بأمر من الأمور الغيبيَّة كعذاب القبر، وفتنة القبر، والصِّراط، والميزان، وما شاكل ذلك، أو نزول عيسى، أو خروج المسيح الدَّجال، أو ما شاكل ذلك، يردُّون نصوص السنة بحجة أنها أخبار آحاد لا تفيد إلا الظن فلا تصلح لأن يبنى عليها الاعتقاد لا فيما يتعلق بالله ولا فيما يتعلق بالأمور الغيبية التي أشرنا إليها!
فهؤلاء يخالفون هذه الفِرَق الضَّالة في هذه القضايا، ويؤمنون بكلِّ ما صَحَّ عن رسول الله وثَبَت عنه سواءً في ميدان العبادة، أو في ميدان العقيدة، أو في الأمور الغيبيَّة، أو في أشراط السَّاعة، أو ما شاكل ذلك؛ فإذا قلنا: الطائفة الناجية، أو الطائفة المنصورة، أو أهل السُنة، أو أهل الحديث؛ فهم جماعة واحدة، هذا منهجهم وعلى رأسهم علماء هذا البلد، وعلى رأس هذه المناهج وهو منهج واحد المنهج المدروس المقرَّر في هذه الجامعات؛ المنهج السَّلفي القائم على أنواع التوحيد على الوجه الصحيح المُستَمَد من كتاب الله ومن سُنة الرَّسول ، وإذا تحدَّثنا عن الفِرقة الناجية فنقصد كلَّ من ذكرناه لكم ووصفناهم سواءً كانوا في هذا البلد أو كانوا في غيره في مشارق الأرض ومغاربها في هذا الزَّمن وما قبله إلى عهد الرَّسول الكريم - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم-، فنحن لا ندور في حلقة ضيِّقة، وإنَّما في هذا الميدان الفسيح الذي نقوله، وهذا قرَّرته في عدد من الكتب والحمد لله ربِّ العالمين، وقد لا تقرؤون كتابًا إلاَّ وتجدون ما يؤيِّد هذا المقال مما يجعل كلام هؤلاء موضع نظر، فعليهم أن يتّقوا الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ،وأن يراقبوه وأن لا يُؤذُوا المؤمنين بالظلم وإشاعة الباطل؛ فإنَّ هذا فيه صَدٌ عن سبيل الله، ونحن بحمد الله منذ عَرَفْنَا وتَشَرّبْنَا المنهج السَّلفي إلى يومنا هذا نمشي في خط واحد وللهِ الحمد، ليس لنا ألوان، وليس لنا خطوط متداخلة أو غير متداخلة، إنمَّا نمشي - إن شاء الله- في خَطٍّ واحد، ونرجو الله أن يُثَبِّتَنَا عليه، وأن يُسَدِّدَ خُطَانَا فيه إلى أن نلقى الله ،كما ندعو لكلِّ من نعتقد فيه أنَّه من أهل هذا المنهج أن يُثبِّتَه الله على هذا المنهج، وأن يهديَ اللهُ الأُمَّةَ الإسلامية جميعًا إلى العودة إلى جادَّةِ الحق.
هذا؛ وأريد أن أبيِّنَ به يعني ما يدور حول هذا الموضوع؛ حتى إذا تحدَّثنا عن الفِرقة النَّاجية أو ذكرنا أهلَ الحديث أو ذكرنا أهل السُنة والجماعة فإنَّما نعني شيئًا واحدًا، قد يَسبِقُ لساني إلى هذا، وقد يَسْبِقُ كلامي هذا، وكلُّ ذلك عندي شيء واحد كما ذكرت لك، جماعة واحدة اجتمعت على هذا الحق
في السابق واللاحق وبعد:فإنَّ أسعد الناس بالنَّجاة، وأسعد الناس بلقب أهلِ السُنة وأنصار السُنة وأتباع محمَّد هم أولئك الذين يتمسكون بكتاب الله وبسُنة رسول الله وبما كان عليه السَّلف الصالح والقرون المُفَضَّلَة من عقيدة ومنهج.
وإذا درسنا واقع المسلمين ومناهجهم وتأريخهم؛ أعني الفِرَق الإسلامية نجد أنَّ من يَصدُق عليهم الفِرقة الناجية أو الطائفة المنصورة أو أهل الحديث إنما هم الذين يلتزمون هذا المنهج السَّلفي الصحيح القائم على كتاب الله وعلى سنة رسول الله في العقائد والعبادات والتشريعات والسِّياسة وغيرها، هم أَحَقُّ الناس بهذا الوصف الفرقة الناجية وهم أهل الحديث؛ لأنَّ أئمَّة الإسلام حينما يُسأَلُون عن حديث الطائفة المنصورة يُفَسِّرونه بأهل الحديث ، وأهلُ الحديث من بَيَّنَا لكم، سُمُّوا أهلَ الحديث وإن كان كثيرٌ من الفِرَق يشاركونهم في دراسة الحديث وحفظه لكنَّهم هم يمتازون بأنهم يتمسكون بالحديث في أبواب الإسلام كلِّها في العقائد، والعبادات، والسِّياسات وغيرها، متمسكين بكتاب الله، إذا تتبعنا تأريخ الطَّوائف كلِّها وعقائدَها ومناهجَها نجد أنَّ أهل الحديث الذين وصفهم الإمام أحمد وابن المبارك وابن مهدي والبخاري وغيرهم طَبَّقُوا حديث (( سَتَفْتَرِ قُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلُّهَا في النَّار إِلاَّ وَاحِدَة قَالُوا: مَنْ هِيَ يَارَسُولَ الله؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَاعَلَيْهِ وَأَصْحَابِي )) وفي رواية (( الجَمَاعَة )) يعني الجماعة الذين اجتمعوا على الحق الذي جاء به محمَّد إذا سُألُوا عن هذا الحديث يقولون: المراد به أهل الحديث؛ إذا لم يكن هم أهل الحديث فلا أدري من هم، يعني هم أهل الحديث؛ فإذا سُئل أحمد أو ابن المبارك أو غيره عن حديث (( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى )) إذا سُئلُوا عن هذا الحديث يقولون: هم أهل الحديث، لماذا ؟ لأنَّهم وجدوا في الواقع أنَّ من يَصدُق عليهم هذان الحديثان المتواتران و لا يجدون في السَّاحة من الفِرَق إلاَّ أهل الحديث، وجدوهم يؤمنون بما يتضمنه الحديث من عقائد إلى جانب القرآن، ثم من ورث أهل الحديث في هذا المنهج من الاعتقاد والإيمان بما دلَّت عليه الآيات ودلَّت عليه الأحاديث سواءً بما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، أو يتعلق بالجنَّة والنَّار وغيرها، إذًا كانوا يؤمنون بما دلَّت عليه الأحاديث ودلَّت عليه الآيات إيمانًا صادقًا فهم - إن شاء الله- أهل الحديث، وفي باب العبادة لا يُقدِّمون قول أحد على حديث رسول الله -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم-،ونحن نجد في هذا البلد العلماء ينتسبون فِقْهِيًا إلى مذهب أحمد، لكن الذي وجدناهم يفضلون به على سائر أهل المذاهب أنَّ فتاواهم قائمة على الكتاب والسُنة، وإذا خالف المذهب حديثًا رَدُّوا المذهب من أجل الحديث، وإذا خالف آيةً رَدُّوا المذهب من أجل الآية؛ وجدنا هذا في تدريسهم، وفي خُطَبِهم، وفي محاضراتهم، وفي مؤلفاتهم، وفي فتاواهم؛ تجدهم يُقدِّمون الحديث حتى على قول أحمد بن حنبل أو غيره؛فهم من أهل الحديث، وهم من الفِرقة الناجية، ومن الطائفة المنصورة، هذا ندين الله به، وهو شيءٌ ملموس، ومن أراد أن ينظر في الواقع فليرجع إلى الفتاوى والمحاضرات والكتب يجد هذا؛ فلهذا قد يسعى بعض أهل الفتن لاستغلال إطلاق أهل الحديث أو السَّلفيين على هؤلاء فيقولون: إنَّ المقصود به غيرهم، ويقولون: هذه كتبنا ومحاضراتنا كلُّها تدخل - وللهِ الحمد- حَمَلَة هذه الدَّعوة قديمًا وحديثًا في هذا البلد الذي نفع الله بدعوته الأُمَّة الإسلامية، وأيقظها من سباتها، وأخرجها من ظلمات الجهل والضَّلال بهذه الدَّعوة ، فالآن الجماعات السَّلفية تسير على هدي كتاب الله وسُنَّة رسول الله بتأثير دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب الذي حمل السَّيف إلى جانب المصحف، وأقام للإسلام دولة تحكم بشريعة الله، وتنصر الحق، وتؤسِّس له الجامعات والمدارس والمراكز، وتبذل الملايين للدَّعوة إلى الله في نصرة هذه الدَّعوة السَّلفية الصادقة التي نفع الله بها في مشارق الأرض ومغاربها، ولولا ما يعترضها من أساليب أهل الفتن لتغيَّرت أحوال المسلمين، ولكانت على غير ما هي عليه الآن بسبب هذه الدَّعوة التي انطلقت من هنا يَشعُّ منها نور الإسلام، ونور الإيمان، ونور التوحيد، هذا شيءٌ لا ينكره إلا حاقد مباهت؛ يحقد على هذه الدَّعوة السَّلفية، فالفضل لله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في استضاءة المسلمين الآن وفي استدلالهم في كتاباتهم وفي دروسهم بـ "قال الله قال رسول الله " يرجع هذا الفضل كلُّه إلى هذه الدَّعوة السَّلفية التي أنقذ الله بها هذا البلد من الجهل والشرك والضلال والبدع والفوضى والهمجية إلى نور التوحيد والحق والعدل والإنصاف والانتظام في أمور الدِّين والدنيا. ونسأل الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أن يزيح العقبات من طريق هذه الدَّعوة؛ حتى تأخذ طريقَها إلى العالَم الإسلامي، لقد ذَهبْتُ إلى بنقلاديش وأكثر أهله متعصبون صوفية وأحناف، ولكنَّهم -واللهِ- كانوا يتراكضون يطلبون منهج الجامعة الإسلامية، ومنهج الجامعة الإسلامية منهج إسلامي صحيح عقيدةً وشريعة، وكان أهلُ الفتنة المندسِّين في هذه الجامعة يحولون بين النَّاس وبين الوصول إلى هذا المنهج، وذهبتُ إلى باكستان وكانوا يتراكضون يطلبون منهج الجامعة الإسلامية، ولو وُجِد من يُسعدهم بهذا المنهج لتغيَّر واقعُ هذه المدارس التي تقوم على التعصب الأعمى للتصوُّف الضَّال، وللجمود والتقليد في المذاهب.
أقول: إنَّ أولى النَّاس بهذا الوصف وصف الفِرقة النَّاجية والطائفة المنصورة هم أهل الحديث، وعلى رأسهم أصحاب محمَّد - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - فأصحاب رسول الله ما فَتَحُوا الدنيا إلاَّ بـ" قال الله قال رسول الله "،ونشأ علماء أفذاذ في العالَم الإسلامي على "قال الله، قال رسول الله"، فكانت القرون الثلاثة المُفَضَّلَة التي أثنى عليها رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - بقوله ( خَيْرُ النَّاسُ قَرْنِي ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ )) ، هذه القرون المُفَضَّلَة بشهادة رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - ما كان عندها إلا قال الله قال رسول الله يُعَلِّمون العرب والعجم كل من يدخل في دين الله يُربُّونَه تربيةً صحيحة على قال الله وقال رسول الله في العقائد، والعبادات، والأخلاق، والسِّياسة وكل شيء، ثم جاءت القرون التي قال عنها رسول الله : ((ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُون وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يُوفُون وَيَكْثُرُ فِيهِمْ السِّمَن )) ، وفي رواية (( تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَه وَيَمِينُهُ شَهَادَتَه )) هذه القرون التي ينطبق عليها هذا الوصف أنجى الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- من هذه الأوصاف الذَّميمة من تمسَّكوا بكتاب الله وبِسُنَّة رسول الله وهم أهلُ الحديث في عقائدهم، وفي عباداتهم، تَفَرَّق الناس إلى جهمية، إلى معتزلة، إلى خوارج، إلى روافض، إلى مرجئة، إلى كذا وكذا... ، ولهم مناهج منحرفة تخالف كتاب الله وسُنَّة رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - وبقيت هذه الطائفة المنصورة والنَّاجية على كتاب الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فتستحق وصف النَّصر؛ لأنَّ الله ينصرها في الدنيا إمَّا بالحُجَّة والبرهان، وإمَّا بالسَّيف والسِّنان، ووُصِفَت بالنَّاجية لأنَّها تنجوا في الآخرة من عذاب الله الذي تَوَعد به تلك الفِرَق التي قال فيها رسولُ الله : (( سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا في النَّار إِلاَّ وَاحِدَة، قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي )) ، الآن فَتِّشوا في الفِرَق كلها تجدون على من ينطبق هذا الوصف (( مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ))، لا ينطبق إلاَّ على أهل الحديث، أهل العقائد الصحيحة الذين يحاربون الشرك، ويحاربون الضلالات، ويحاربون البدع سواءً تعلَّقت بالعبادات، أو تعلَّقت بالعادات، أو تعلَّقت بالعقائد، هم هؤلاء فهم أهل النَّجاة باعتبار أنَّهم ينجون عندما تهلك هذه الفِرَق بسبب ضلالها، وهم أهل النَّصر المُؤَيَّدون من الله بالحُجَّة والبُرهان، فهم الآن لا يستطيع أن يواجههم أحد في ميدان الاستدلال والاحتجاج، لا في ميدان العقيدة ولا في غيرها؛ فهم منصورون - وَللهِ الحمد - وهذا أعظم النَّصر إذ هذا هو نصر الأنبياء -عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - ؛ فإنَّ أعظم الأنبياء الذين قال الله فيهم: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر:51]، إنما كان نصرهم بإقامة الحجة؛ فإنَّ أكثر الأنبياء -عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - ما جاؤوا بالسَّيف، جاؤوا بالحُجَّة والبرهان، فكانوا يدحضون الباطل وينصرهم الله على أعدائهم في الدنيا بإقامة الحُجَّة ثم بإهلاك أعدائهم؛ كما أهلك اللهُ قومَ نوح، وكما أهلك اللهُ قومَ هود، وكما أهلك قومَ صالح ... فهذا نصرٌ لهم في الدنيا، ويوم القيامة ينصرهم الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - الحَكَمُ العدل، فيفصل بينهم وبين خصومهم، أعداؤُهم إلى النَّار وهم إلى الجَنَّة؛ فهذا غاية النَّصر من الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لرُسُلِه - عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - والذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فمن الآن يستطيع أن يقف في وجه هذه الفِرقَة بالحُجَّة والبرهان وإن تغلَّبَ بالسَّيف والسِّنان مؤقتًا، ولكن التمكين والنَّصر الحقيقي بالسَّيف والسِّنان دائمًا - إن شاء الله - في انتظار هذه الفِرقَة - إن شاء الله - ، ونسأل الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أن ينصرها في الدنيا والآخرة؛ لأنَّها صاحبة الحق التي نرجو الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - النَّجاة في الآخرة بسبب عَضِّها بالنَّواجذ على ما كان عليه رسول الله وأصحابه .
نعني بالفِرقَة الناجية والطائفة المنصورة من هذا الوقت إلى عهد الصَّحابة الكرام وإلى القرون المُفَضَّلَة، وعلى رأس الصَّحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والعشرة المبشرين بالجنَّة وأهل بدر وأهل بيعة الرِّضوان وغيرهم من أصحاب رسول الله ؛ فهم سادة هذه الطائفة وقادتها ولا أقول هذا من عندي قال هذا ابن تيمية رحمه الله: (( إن رأس الفرقة النَّاجية رسول الله وأصحابه ))، وإن كان أنا لي رأي أقول: إنَّ أصحاب الرَّسول فوق الفِرقَة الناجية والطائفة المنصورة، لكن هذا رأي ابن تيمية رحمه الله نقلناه بأمانة، إنَّه يرى أنَّ سادة هذه الفِرقَة رسول الله وأصحابه ، ثم يأتي بعدهم التابعون أئمَّة التابعين كسعيد بن المسيِّب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، ومحمد بن شهاب الزهري، وغيرهم من أفاضل التابعين- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم- ثم تلا هؤلاء أتباع التابعين أئمَّة الفِرقَة الناجية والطائفة المنصورة وأهل الحديث في نفس الوقت، وهم الإمام مالك، والإمام الأوزاعي، ويونس بن يزيد الأيلي من كبار أصحاب الزهري - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم- ، ومن الطبقة الثانية أيضًا من أتباع التابعين حمَّاد بن سلمة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وتلاميذهم مثل يحيى بن سعيد القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وزهير بن حرب، وغيرهم، ثم يتلو هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة حقًا والصدِّيق الثاني كما يقال فيه ، شُبِّه بأبي بكر الصدِّيق في اتجاه الرِّدة؛ إذ قضى الله على تلك الفتنة بأبي بكر الصدِّيق حينما انبرى لها وقال: (( والله لأقاتِلَنَّ من فَرَّق بين الصلاة والزَّكاة حتى لو منعوني عناقًا كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليه)) ، -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْه-، وكان الصحابة يخالفونه في هذا الرَّأي، ثم استراحوا إلى رأيه واطمأنوا إلى رأيه، وقاد هذه المعركة وخاض هذه المعركة ضدَّ أهلِ الردة، فأعادهم الله إلى حظيرة الإسلام بسبب ذلك الموقف العظيم، والإمام أحمد وقف في وجه الفتنة في عهده، صمد لها وتحمَّل من الأذى ومن الضرب ومن الإهانة ما لا يعلمه إلا الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - ،وكانت العاقبة له، وكان النَّصر لسُنَّة رسول الله ، فهو إمام أهل السُنَّة وإمام من بعده على الإطلاق، وكلُّ من حاد عن سبيل هذا الإمام كما يروي شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله" أنَّ عبد القادر سُئل: هل يكون هناك من وليٍّ لله على غير طريق أحمد؟ قال: ((ماكان ولا يكون )) ، فهو إمام أهل السُنَّة، وكان من أقرانه علي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وأمثالهم من شيوخ البخاري ومسلم، ثم جاء وحَمَل الرَّاية بعدهم البخاري، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والإمام مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ومن عاصرهم من أئمَّة الإسلام، كان هؤلاء أئمَّة أهل السُنَّة والجماعة دعوةً وتدوينًا لهذه السُنَّة ورَدًّا على فِرَق الضَّلال كما سيأتي.
ثم تلاهم بعد ذلك تلاميذُهم، مثل ابن خزيمة ومن عاصره، وعثمان بن سعيد الدَّارمي، وأمثالهم، حملوا راية السُنَّة، وناضلوا عنها، وذَبُّوا عنها - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهم-، ثم بعدهم جاء الدارقطني ومن عاصره، ثم جاء بعدهم الخطيب ومن عاصره، ثم جاء بعدهم عبد الغني المقدسي، وابن قدامة، والضياء المقدسي، ثم جاء بعدهم ابن تيمية وتلاميذه وزملاؤه كالمِزِّي، وابن القيم، والذهبي، وابن كثير، وابن رجب، ثم حصل فترة، ثم جاء المجدد الحق الذي جَدَّدَ الإسلام دينًا ودولة؛ الإمام محمد بن عبد الوهاب وجزاه الله خيرًا وتلاميذه ومن سار على نهجه. هؤلاء يا إخوة في الجملة وباختصار هم الفِرقَة الناجية، والطائفة المنصورة، وأهل الحديث، والغرباء، وقُلْ ما شئت فيهم من المدح والثناء الذي يستحقونه، والذي دلَّ عليه كتابُ الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وسادتهم في هذا الميدان صحابة رسول الله الذين قال الله في شأنهم: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران:110] وقال الله في شأنهم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .. ﴾ [البقرة:143 ] ، يعني وسطا معتدلين، ليس فيهم تطرُّف، وليس فيهم جفاء، يختلفون عن اليهود الذين جَفَوْا الأنبياء-عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم -، جَفَوْا رسول الله ، وجَفَوْا عيسى ، وقتلوا الأنبياء -عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم -، ولا مثل النَّصارى الذين غَلَوْا في بَشَر وهو نبيٌّ رسول حتى جعلوه ابنَ الله، وجعلوه هو الله، وقالوا: ثالث ثلاثة.
هم وسطٌ بين الأمم، ومعتدلون في كلِّ ميدانٍ من ميادين الحق، ثمَّ قال الله في شأنهم: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ﴾ ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ﴾، فالذين اتبعوهم بإحسان ليس المقصود التابعين على الاصطلاح المعروف فقط؛ وإنمَّا المراد الذين اتبعوهم في التمسُّك بالكتاب والسُنَّة والسَّير على هدي محمَّد إلى يوم القيامة، وهم الطائفة المنصورة أهل الحديث ومن سار على نهجهم؛ فهؤلاء هذا الرَّابط بينهم وبين أصحاب رسول الله ، إنَّ الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قد رضي عنهم، رضي عن الصحابة السَّابقين الأولين من المهاجرين والأنصار
والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة .﴿ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:100] فهذا يؤيِّد حديثَ الفِرقَة الناجية، وحديث الطائفة المنصورة، هذه النصوص تؤيِّد هذه الأحاديث؛ لأنَّ القرآن يَدْعَمُ الحديث، والحديثُ يَدْعَمُ القرآن ويفسِّره ويُبَيِّنه ويُفَصِّل مُجمَلَه، إلى آخر البيانات التي تحققت من رسول الله الذي قال الله في شأنه: ﴿...َوَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل:44]، فهذه الآيات التي تربط بين هؤلاء الأتباع الذين أَخْبَرَ رسول الله أنَّهم ناجون، وأخبر الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عن رضاه عنهم، وإدخالهم جنَّاتٍ تجري تحتها الأنهار، لماذا؟ لأنَّهم اتبعوا الصحابة بإحسان، اتبعوا المهاجرين والأنصار فأحسنوا الاتباع، وكيف نُحْسِنُ الاتباع إذا لم يكن منهجنا كتاب الله وسُنَّة الرَّسول ؟! الذي لا يعتمد كتابَ الله وسُنَّةَ رسول الله منهجًا في عقيدته وعبادته كيف يكون مُتَّبِعًا لأصحاب رسول الله بإحسان؟! كيف وقدخالفهم في أهم القضايا وهي العقيدة؟! وخالفهم في القضايا الأخرى! هذا ليس بمتّبع، لا يقال أبدًا عقلاً ولا عاطفةً: إنَّ هؤلاء قد اتَّبعوا أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار قد اتبعوهم بإحسان إلاَّ إذا تعمَّدنا المغالطة، فحينئذٍ قد تنجح المغالطات وتروج على كثير من الناس، أمَّا إذا تجرَّدنا من الهوى وأردنا أن نعدل ونقول كلمة الحق فإنَّه لا يَصْدُق الاتِّباع بإحسان إلاَّ على هذا الصِّنف الذين تمسَّكوا بكتاب الله وبسُنَّةِ الرَّسول واتَّبعوا سبيلَ المؤمنين الذين قال الله في شأنهم : ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [النساء:115]، فهذا إلزام من الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - باتِّباع سبيل المؤمنين وهم أصحابُ رسول الله ، ووعيد شديد لمن يخالفهم بالنَّار.
﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾من هم؟ ما هي سبيلهم ؟ سبيلهم القرآن والسُنَّة في العقائد والعبادات وفي سائر الميادين.
﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾، فهذا يتفق مع حديث (( سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا في النَّار إِلاَّ وَاحِدَة، قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي )) ، هؤلاء خالفوا أصحاب الرَّسول واتَّبعوا غيرَ سبيل المؤمنين، وقد قال العلماء : إنَّ هذه الفِرَق ترجع إلى الجهمية، والمعتزلة، والرَّوافض، والخوارج، والمرجئة، وإن كثرت فهي تعود إلى هذه الأصول، يجمعهم الخلاف لأصحاب رسول الله والمفارقة لهم بعدما تبيَّن لهم الهدى؛ فهم يستحقّون هذا الوعيد الشديد، وينجو منه بمفهومه من اتَّبع سبيل المؤمنين، يعني إذا كان هؤلاء يخالفون ويشاقُّون يستحقون هذا الوعيد، فمن يَتَّبع ولا يخالف ولا يشاق فإنَّه يستحق ما يستحقُّه أصحابُ رسول الله من الوعد الصَّادق في قوله : ﴿ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:100] يَصدُق عليهم هذا الوعد وبمفهوم آية ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، هم اتَّبعوا سبيل المؤمنين فيَنْجَوْن من الوعيد الذي سَيَصُبُّه الله على من شاقَّ هؤلاء المؤمنين وخالف سبيلَهم، هؤلاء الذين ذكرناهم لكم من طبقات الأُمَّة في مختلف الأجيال نصوص القرآن والسُنَّة تشهد لهم بأنَّهم على الحق، وقد دَوَّنُوا ذلك في مؤلفاتٍ لا تُحْصَى، وَدَوَّنُوها في صِحَاحِهم، ومسانِيدهم، ومعاجمِهم، وفي الأجزاء وغيرها، والكتب التي خُصَّت بالعقائد وغيرها بَيَّنوا فيها الحق، وأدانوا فيها أهلَ الباطل وأهلَ الضَّلال من مُخْتَلَف الفِرَق بكتاب الله وبسُنَّة رسول الله فلنأت الآن إلى ((صحيح البخاري)) جعل في مفتتح كتابه (( كتاب بدء الوحي)) أَسَّس كتابَه على الوحي، كتاب الوحي الذي يقوم عليه الإيمان، ثم جاء بكتاب الإيمان، وجاء فيه بأدلَّة أهل السُنَّة والجماعة المخالفة لأهل البدع وخاصَّة المرجئة؛ فهذا كتاب فقه وعقيدة وحديث، كتاب الإيمان كتاب حديث، كتاب فقه، كتاب عقيدة، يبيِّن فيها منهج الفِرقَة الناجية والطائفة المنصورة أهل الحديث وأهل السنة والجماعة، ويَرُدُّ فيها على أهل البدع بنصوص القرآن والسُنَّة، ثم عَقَدَ ((كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنَّة )) يَرُدُّ فيه على أهل البدع وأهل الأهواء عمومًا وأهل الرَّأي الذين غَلَوْا في القياس؛ حتى أدَّى بكثير منهم إلى ردِّ نصوصٍ كثيرة من الكتاب والسُنَّة اتِّباعًا لهذا القياس، فرَدَّ عليهم البخاري بهذا الكتاب ((كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنَّة ))، هذا الذي دوَّنه في ((صحيح البخاري)) وأشار في الصحيح أنَّ له كتابًا مُفرَدًا في هذا المضمون، ثم عَقَدَ ((كتاب التوحيد))، وسرد فيه آيات الأسماء والصفات، وآيات من العقيدة يردُّ فيه على الجهمية والمعتزلة والخوارج الذين انحرفوا في أبواب العقيدة، فهم لا يدوِّنون الأحاديث هكذا لحفظ الأحاديث فحسب، إنمَّا يدوِّنون الأحاديث للفقه والتفقه في أبواب الاعتقاد، وفي أبواب الحلال والحرام، والعبادات والمعاملات وغيرها.
ثم الإمام مسلم عَقَدَ (( كتاب الإيمان))، كتاب الإيمان هذا إذا قرأته تجد كأنَّ الإمام محمد ابن عبد الوهاب استمدَّ كثيرًا من النصوص منه، كتاب الإيمان له كتابُ توحيد، توحيد العبادة، وتوحيد الأسماء والصفات موجود فيه، عرفتم؟ وربمَّا استند الإمام محمد بن عبد الوهاب كثيرًا إلى هذا الكتاب، وإلى كتاب التوحيد للإمام ابن منده محمَّد بن إسحاق صاحب (( كتاب التوحيد))، إذا جئت إلى هذا الكتاب- ما شاء الله - كأنَّ الإمام محمد ابن عبد الوهاب اقتبس من هذا الكتاب، ومحمَّد بن عبد الوهاب رحمه الله المجدِّد العظيم لم يكن بدعًا بالتأليف في كتاب التوحيد، وإنما سبقه بذلك كتابُ الله وسُنَّة رسول الله وأئمَّة الإسلام الذين وقفوا دائمًا في وجه الأضاليل والبدع والانحرافات في كلِّ زمان، فهم يحملون رايةَ السُنَّة وفي نفس الوقت يدحضون الباطل في أي جيلٍ من الأجيال، وفي أي مرحلةٍ من المراحل - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم- وألَّف البخاري بعد هذا كتاب (( خلق أفعال العباد))، وردَّ على الجهمية وعلى القائلين بخلق القرآن، ونَقَل واللهِ تكفيرهم، وكَفَّرَهم، كَفَّرَهم لأنَّهم يُنكرون عُلُوَّ الله واستواءَه على عرشه، وينقل أقوالَ السَّلف، نقل عن سعيد ابن عامر أنَّه قال: (( ما رأيت شرًّا من الجهمية)) ؛ لأنَّ اليهود والنصارى وسائر أهل الأديان اتَّفقوا على أنَّ الله في السماء وعلى العرش استوى وهم يقولون إنَّ الله في كلِّ مكان، ونقل عن الإمام مالك في كتابه (( خلق أفعال العباد))، أنَّه سُئل عمن يقول بخلق القرآن فقال: ((كافر، إن تاب وإلا قُتِل)) وسُئِل عبد الرَّحمن بن مهدي، وسئل غيره وغيره عددٌ كثير سَرَد البخاري أسماءَهم كَفَّرُوا من يقول بخلق القرآن، ونقل ذلك غير البخاري، نقل ذلك الإمام البغوي في مقدمة كتابه ((شرح السنة))؛ شرح السنة هذا المشهور حوالي أكثر من مائة وخمسين صفحة كلها جعلها مقدمة في خدمة العقيدة وخدمة منهج السَّلف والرَّد على أهل الأهواء وأهل الباطل والبدع، ونقل مذهب أهل السُنَّة المعتصمين بكتاب الله وسنة الرَّسول ،ورَدَّ على أهل البدع بنصوص الكتاب والسُنَّة، وممَّا نقله البخاري وغيرُه حديث عائشة – رضي الله عنها - قالت: تَلاَ رَسُولُ اللهِ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ [آل عمران: 7] ثم قال : (( فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُم)) ، فأوَّل من حذَّر من أهل البدع رسولُ الله ، بل أوَّل من حذَّر منهم ربُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وبيَّن نواياهم السيِّئة؛ أهل الأهواء، سمَّاهم السَّلف أهلَ الأهواء ؛لأنَّهم يتَّبعون أهواءَهم، والآية هذه التي ذمَّهم الله فيها:﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ ﴾، انظر! بَيَّن سوءَ قصدهم، وأنَّهم يتَّبعون الهوى؛ فيتَّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله؛ فهم يَتَقَصَّدُون الفِتَن، رسولُ الله قال: (( فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُم))، وقد- وَاللهِ - حَذَّر رسولُ الله منهم، واللهُ حَذَّر منهم، رسول الله في هذا الحديث وفي حديث جابر الذي ذكر أنَّ رسولَ الله كان إذا خطب يعني كلُّ خُطَبِه تقريبًا يقول: (( أّمَّا بَعْد :فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلاَمُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة )) ، كان يقول هذا في كلِّ خطبة، ما كان أمامه أهلُ بدع، لا جهمية، ولا معتزلة، ولا صوفية، ولا خوارج، ولا روافض، ما كان يوجد أحدٌ من هذه الأصناف، ولكنَّ الله أخبره أنَّ هذه الفِرَق ستنشأ وسَتُتعِب هذه الأُمَّة، وستُتعِب المسلمين، فَحَذَّر منهم في هذا الحديث، وحَذَّرَ منهم في الحديث التي روته عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- والذي سُقناه لكم آنفًا، وحذَّر من الخوارج يا إخوتاه! الخوارج ضَلُّوا في الحاكمية، إمامهم ذو الخويصرة كان دافعه في الاعتراض على رسول الله المال، يتعلَّق بالجانب الاقتصادي من الإسلام، فلمَّا فتح الله حُنَيْنًا على رسول الله وهُزِمَت جيوشُ الكفر هوازن وغيرها، غَنِمَ المسلمون غنائم كثيرة فأعطى رسول الله بسخاء، مائةً من الإبل لفلان، ومائةً من الإبل لفلان، لأبي سفيان، وللأقرع بن حابس ... فقال ذو الخويصرة: هذه قِسمَةٌ ما أُريدَ بها وجهُ الله، اتَّهم رسولَ الله ، هذا إمام الخوارج، فجاء عبد الله بنُ مسعود فأخبر رسولَ الله ، فقال عمر: يارسولَ الله دعني أضرب عنقه، وقال خالدٌ كذلك، فقال : (( دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ)) ، كانوا عُبَّاداً زُهَّاداً يقرؤون القرآن، يقومون به اللَّيل، ويصومون النَّهار، وكانت عقائدُهم صحيحة، كانوا ما عندهم تعطيلٌ للصِّفات، ما كانوا جهمية، ما كانوا عُبَّاد قبور، كان عندهم توحيد لكن ضَلُّوا في جانب واحد من الإسلام وهو الحاكمية، لا حُكْمَ إلاَّ لله، لا حُكْمَ إلاَّ لله،لا حُكْمَ إلاَّ لله إلا لله، قال علي بن أبي طالب : (( كلمةُ حَقٍّ أُرِيدَ بها باطل )) ، فالآن أهلُ الأهواء يتعلَّقون بما تعلَّق به ذو الخويصرة، الجانب الاقتصادي من الإسلام، ويتعلَّقون بجانب الحاكمية، وهم لا يعرفون هذا ولا ذاك، وليسوا بصادقين في هذا ولا ذاك، ماذا قال رسول الله ؟قال: (( اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)) ، ((خَيْرَ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوه )) ، ووعد من قتلهم بالجزاء العظيم من الله -تبارك وتعالى- والله - إنَّهم أقلُ شَرًّا من كثير من المبتدعين الآن التيجانية، والمرغنية، والنقشبندية، والسَّهروردية، - واللهِ - إنَّ الخوارج الذين قتلهم عليٌّ أهدى منهم سبيلاً، أهدى سبيلاً من هؤلاء؛ لأنَّ هؤلاء عندهم شرك في العبادة؛ الأولياء عندهم يعلمون الغيب، ويتصرفون في الكون ... ويستغيثون بهم، ويطوفون بقبورهم، ويقولون فيهم من التُرَّهات ما لا يقوله إلاَّ الخرافيون من الهنادك، ثم أين الله ؟ الله عندهم في كلِّ مكان!، أو لا فوق ولا تحت! ... ويدُه قدرته، إلى آخر التعطيلات والتأويلات، شرك في الصفات، شرك في الربوبية، شرك في العبادة، الخوارج ما عندهم أنواع الشرك هذه كلها، ومع هذا سمَّاهم الرَّسول (( شَرُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاء )) (( شَرُّ الخَلْقِ وَالخَلِيقَة )) (( أَيْنَمَا وَجَدْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُم)) ، الآن هناك من يحتضن أهل البدع هؤلاء، ويتولاهم، ويدافع عنهم وعن بدعهم، ويَسُبُّون الصحابة، ويَسُبُّون الأنبياء، ويقولون بوحدة الوجود، ويقولون بالاشتراكية ... عندهم أشياء كثيرة وهؤلاء يتولونهم ويقولون عنهم: مجدِّدين !! وهم عندهم أضعاف أضعاف أضعاف أضعاف بدعة الخوارج، أين نحن الآن من هذه الفِرقَة الناجية؟! بالله! الذي يتولَّى الرَّوافض، والذي يطعن في أصحاب رسول الله ويتولَّى الصوفية بكل فئاتها وأباطيلها وخرافاتها وتُرَّهاتها، ويدافع عنهم ويحصر عداءَه وحربَه على أهل السُنَّة، هذا منهم ؟!! يتولَّى أهلَ البدع،، ويتولَّى كتبهم المليئة بالضَّلالات الكفرية، يتولاَّها ويستميت في الدِّفاع عنها، ويحارب أشدَّ الحرب من يتكلَّم في هؤلاء المبتدعين وعن كتبهم نصحًا لله، جماعة تنصح لله، تحذِّر من هذا الشر، تحذِّر من هذه البدع تأسيًا برسول الله وتأسيًا بالسَّلف الصالح، فيأتي هؤلاء يتهمونهم ويقذفونهم بشتى التُّهم، ويحاربونهم ويقولون: نحن أهل السُنَّة، نحن أنصار الله!! سيِّد قطب مجدِّد! البنا مجدِّد! المودودي مجدِّد! وهم أهل بدع وضلال، - واللهِ واللهِ- الخوارج ما يَصِلُون إلى شيء مما وصل إليه هؤلاء من البدع والضلال، وهذه كتبهم، وهذا الميدان نتحدَّاهم، الذين قاتلهم علي حتى الخوارج الموجودون الآن لا توجد عندهم البدع التي توجد عند سيِّد قطب، الخوارج الموجودون الآن لو أحصيت بدعَهم لا تجدها شيئا إلى جانب بدع سيِّد قطب؛ الذي جمع البدع من كلِّ أكنافها وأطرافها، وصَبَّها في كُتُبِه، ويتظاهر بالحماس للإسلام، وهو يكفِّر الأُمَّة بدءًا من الصحابة إلى يومك هذا! الخوارج ما فعلوا هذا، ونقول مجدِّد وإمام!! ونستميت في الدِّفاع عنه وعن كتبه!! هؤلاء يُحسَبُون على السُنَّة؟! هؤلاء من الطائفة المنصورة؟! لا وربِّ السَّماء، عليهم أن يعودوا إلى الله، ويسلكوا طريق السَّلف في المواقف الصحيحة من أهل البدع والضلال، أنا لا أعرف فتنةً الآن على وجه الأرض أشدُّ على المسلمين من فتنة سيِّد قطب ومن كتبه، لا أجد فتنةً على وجه الأرض أشد من هذا، واجتاحت التجمعات السَّلفية، إذا كانت ضلالات أهل البدع محصورة في أهل البدع والضَّلال فهذه والله اجتاحت جامعات في هذا البلد؛ جامعات التوحيد والسُنَّة وزلزلتها، وخرَّبت عقائد كثير من أبنائها وتصوُّراتهم، وهَدَمت باب الولاء والبراء لله وللحقّ، وقادتهم إلى نصرة البدع والضلالات، هذا شيءٌ موجود ملموس، من يكابر في هذا ؟ لا يكابر في هذا إلا َّ إنسان غير سوي عقلاً ولا خُلُقًا، هذا موجود ملموس، من يدافع عن سيِّد قطب؟ ماذا حَوَتْ كتب سيِّد قطب؟ واللهِ أقرأ في كتاب الزمخشري المعتزلي الغالي، وأقرأ (( الظلال )) فأجد كتاب الزمخشري تتضاءل بدعه إلى جانب كتاب سيِّد قطب، كتاب هذا المعتزلي الزمخشري واللهِ أحرقه المبتدعون المنتسبون إلى السُنَّة وهم مبتدعون، والآن شباب السُنَّة المنتمين إلى المنهج السَّلفي يُطبَع من أجلهم (( الظلال )) أكثر من ثمان عشر طبعة، ويلتهمونه في مشارق الأرض ومغاربها، التجمعات السَّلفية التي أُفسِدَت بهذه الكتب واستُهدِفَت بهذه الكتب:
(( المعالم)) (( العدالة الاجتماعية)) (( الظلال ))... أكثر من سبعين بدعة كبرى حوتها هذه الكتب! من وحدة الوجود إلى آخر بدعة الخوارج - والعياذ بالله - ثم هذا الرَّجل مُقَدَّس، وكتبه مُقَدَّسة، فأين العقيدة؟ أين المنهج السَّلفي؟ أين منهج هذه الطائفة الناجية المنصورة؟ أين قول الله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ... ﴾ [النساء:135]؟ الآن يشهدون باطلاً وزورًا لكتب سيِّد قطب أنَّها نافعة ومفيدة، وكتب فلان التي ترد عليها وتبيِّن ضلالاته وخرافاته وأساطيرَه كتب باطلة يجب حرقها، ويجب إعدامها، ويجب محاربتها ومحاربة أهلها، فهل من يفعل هذا يكون من أهل السُنَّة يا إخوتاه؟! يجب أن نحكم بشرع الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ، فيكم قُضَاة، الآن تدرَّبتم على الحكم في القضايا الصغيرة والكبيرة، ماالذي يضرُّكم أن تقولوا كلمة الحق، إذا كان الذي رَدَّ على سيِّد قطب ضال بيِّنوا بالبراهين والأدلة أنَّه ضال وأنَّ سيِّد قطب على منهج أحمد بن حنبل! وعلى منهج الصدِّيق أبي بكر في العقيدة والعبادة! ونسلِّم له بالأدلة، وإذا تبيَّن أنَّ سيِّد قطب على منهج ابن عربي في تحقيق وحدة الوجود، وعلى منهج جهم بن صفوان في تعطيل الصِّفات، والقول بخلق القرآن، وعلى منهج ماركس في القول بالاشتراكية، وعلى منهج الماسونية في حريَّة الأديان؛ يدعو إلى حريَّة الأديان ويقول: إنَّ الإسلام جاء لحرية الأديان والقضاء على التعصب الدِّيني، ويقول: إنَّ العبادة ليست وظيفة حياة، ويقول أفكارا مادية علمانية ماسونية، وتُقَدَّم لشبابنا أنَّها الإسلام، وبعد ذلك يقال: أنا أسبُّه! يا أخي! أنا ما أَسُبُّه، -واللهِ- قد أفضى إلى ما قدَّم، لكن هذا موجود في كتبه، هل يجوز لمسلم يحترم الإسلام ويحترم الحق أن يرى هذا الضَّلال الكبير العريض ثم يسكت عنه خوفًا، أو مجاملةً، أو نفاقًا، أو تقيَّةً؟! - واللهِ- لو تُرَاقُ دماءؤنا، - واللهِ- لو تذهب أموالنا ونفوسنا إنَّها فداء الإسلام، لنقولَنَّ كلمة الحق وربِّ السَّماء والأرض، -واللهِ- لنقولنَّها وإن رَغِمَت أنوف وربِّ السَّماء، - واللهِ، واللهِ- ما رأيت في كتب البدع أضلَّ من كتب سيِّد قطب وربِّ السَّماء والأرض إنَّها جمعت البدع من كل أطرافها، وما ترك أصلاً من أصول البدع إلاَّ أحياه، فاتَّقوا الله يا مسلمين في أنفسكم، وفي أبنائكم، - واللهِ- إذا كان غيركم يُعذر لا تُعذرون أبدًا، لا تُعذرُون؛ لأنَّ الحق أمامكم تدرسونه من الابتدائي، والثانوي، والجامعة، والماجيستر، والدكتوراه، وكلّ المراحل، وكتب ابن تيمية، وابن القيِّم، وأحمد ابن حنبل، والبخاري موجودة لديكم، ما عُذرُكم؟؟ وتفهمونها، قولوا كلمة الحق، قولوا كلمة الحق يا قضاة المسلمين، ويا طلاَّب العلم انصروا الله ينصركم، لا تنصروا أهل الباطل، ولا تنصروا أهل البدع، وكونوا على طريقة الإمام أحمد الذي ما سكت عن قضيَّة واحدة، وعَرَضَ لها نفسَه ودمَه، وتَعَرَّض لها أهلُ السُنَّة، وأريقت الدِّماء بسبب قضيَّة واحدة من قضايا سيِّد قطب وربِّ السَّماء،- واللهِ- قضيَّة واحدة من قضايا سيِّد قطب إنَّ أحمد عَرَّض نَفْسَه للموت، وإنَّ أهل السُنَّة عَرَّضُوا أنفسَهم للفناء والدَّمار والهلاك من أجل القول بخلق القرآن، واللهِ إن سيِّد قطب يقوله وربِّ السَّماء، وقال بوحدة الوجود وأيَّدها ومدحها في شعره ونثره، ولا يكابر في هذا إلاَّ من لا يخاف الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، ولا يتّقي الله في المسلمين، وواللهِ قال بالاشتراكية، وقال بالحاكمية، ماذا قال في الحاكمية؟ قال: لا بدَّ للإسلام أن يحكم لابد، لماذا ؟ لأنَّه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من الشيوعية والمسيحية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما، ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال!! هكذا قال الإسلام يصوغ من الشيوعية والنصرانية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما! أهداف الشيوعية والنصرانية! محمد عنده بعث لتحقيق أهداف الشيوعيين والنصارى!! واللهِ المستشرقون الذين قالوا: إنَّ محمَّداً يأخذ القرآن من التوراة والإنجيل، ما وصل قولهم إلى هذا! ما وصل إلى هذا الضَّلال! يعني الآن يقول: الإسلام مأخوذ من الشيوعية والنصرانية! أو جاء يتضمن الشيوعية والنصرانية! أيُّ جناية على الإسلام تفوق هذا؟!
تابع